lundi 7 décembre 2009

كتبوا عن أعمالي

مشهدية الرواية··· وكتابة الالتزام الواقعي
بقلم/قلولي بن ساعد



تتجه الحكاية في رواية "لاروكاد"  للروائي عيسى شريط، الحائزة على جائزة مالك حداد للرواية مناصفة مع رواية”السمك لا يبالي” للروائية إنعام بيوض سنة 2004 إلى عمق المجتمع الجزائري عبر تحليل دقيق من خلال بطلها المحوري”التهامي” المقاول الذي حقق الثراء الفاحش في مدة زمنية وجيزة بفضل الخدمات التي يقدمها له شريكه في النهب والاحتيال”سحنون” المسؤول بالبلدية، بالاعتماد، طبعا، على بعض التقنيات والاستملاكات الجمالية ذات الطابع المشهدي في سلسلة من المقاطع تتجمع لتتواتر في منظومات مشهدية برعت رسمها ”عين السارد الرائية” داخل حي” لاروكاد”، أو الحي الذي كانت تسكنه الجالية اليهودية قبل جلاء الاستعمار الفرنسي عن بلادنا، وبالذات في ساحة مقهى” فريد الأطرش الذي يديره على القهواجي”، وبينما الحياة تستمد معناها وجوهرها من قوة المال والجاه، فيما الفقر وقلة الحيلة يتهدد الكائن في كل لحظة، فيسكنه شعور حاد بالخواء والرعب، ترسم، ”عين السارد الرائية” ملامح طبقة اجتماعية جديدة استطاعت في وقت وجيز السيطرة على دواليب الاقتصاد وممارسة نفوذها المالي شبه المطلق· وكما تقابل سلطة المال الحاجة والفقر يقف الجمال والشهوة في الاتجاه الموازي إذ تطفو على السطح في حي” لاروكاد” علاقة مشبوهة جمعت” شويحة” المعلم بالمرحلة الابتدائية بجميلة زوجة التهامي، وهي علاقة قديمة كانت تربط الاثنين قبل أن تصبح جميلة زوجة للتهامي· إذ إن جميلة قد أجبرت من طرف ذويها على الارتباط بالتهامي لفضائله الكثيرة على والدها وإغراءه بالمال· لذلك لم تنطفئ جذوة ما كان بينهما، بل ازدادت عنفوانا وكأن العاطفة والمال يتآلفان في مدونة حكائية تعج في الداخل بمتناقضات وعي الكائن بين القوة والوهن· إذ الشعور باللقاء وحرارته ليس إلا جرحا عميقا يعود نزيفه إلى الطفو· من أجل ذلك كانت تتم لقاءاتهما بعيدا عن أعين رواد مقهى فريد الأطرش، أي في سوق الأحد؛ حيث تأتي جميلة بالأموال والجواهر لعشيقها شويحة لادخارها تمهيدا للانفصال عن زوجها وولي نعمتها التهامي فيندفع شويحة بأقصى ما يملك إلى الفرار من الماضي ومن رعب النهاية يؤثر القوة على الوهن والمال على الأخلاق والابتزاز على القناعة· وبهذا المذهب في الوجود يعتقد أنه قاب قوسين أو أدنى من أن ينقض على الإرث والفريسة معا كي يستأثر بهما لنفسه مستخدما شتى الوسائل والسبل للوصول  إلى المبدأ الأساسي الذي هو الانتصار لأقوى القوى ممثلا في المال· فتنتصر في الحكاية قيم المال على الأخلاق، ويسود مفهوم جديد للسلطة أفضى إلى هيمنة قوة جديدة صاعدة غيرت عديد الوقائع والقوانين· فترسم” عين السارد الرائية” في هذه الرواية صورة المجتمع الجزائري وتحديدا صورة” الجزائر العميقة” في راهنيتها السياسية والاقتصادية ذات الوجه ”الليبرالي المتوحش”؛ إذ تنفذ من خلال حكاية التهامي وسحنون من جهة، والمعلم شويحة وعشيقته جميلة وحسين المسرح، الكاتب المسرحي المغضوب عليه من طرف السلطة والمجتمع معا، عبر المراوحة بين الماضي والحاضر الغنى والفقر··· الجهل والعلم إلى قوانين الوجود الاجتماعي الراهن، فتصفه بضرب من المحاكاة اقتضاها إتباع نمط ”الحكاية المتناظمة في معتاد السرد التعاقبي”، حسب تعبير الناقد التونسي الدكتور مصطفى الكيلاني، فيتهدم مجتمع كي يقوم على أنقاضه مجتمع جديد يحمل آثار المجتمع السالف· وفي غمرة هذا الصراع يمارس التهامي نفوذه وسطوته، ويتحالف مع سحنون للفوز بمشاريع وهمية وصفقات مشبوهة· 


ويرتبك المشهد كأن”عين الكاميرا الرائية” تنقل الوصف من دائرة الفرد” التهامي والأسرة إلى ساحة مقهى فريد الأطرش وحي لاروكاد··· تجول ”عين الكاميرا الرائية” كي تستقر في حيز من الاسترجاع اعتبارا من أن عبارة ”الاسترجاع” تعني هذا استخدام الرائي تقنية القطع والاسترجاع أو المونتاج”· وهي تقنية سينمائية خالصة برع الروائي عيسى شريط في توظيفها بمهارة فائقة؛ حيث سلط ضوء الرؤية على التهامي وجميلة والمعلم شويحة وحسين المسرح الذي وفر له ضابط الشرطة الحماية والوقت الكافي لاستخراج جواز السفر والفرار إلى خارج الوطن، كونه يعلم أنه بريء مما يحاك حوله من جرائم نسبت إليه، بينما منفذوها هم التهامي وسحنون وغيرهما من مافيا المال والفساد· وهاهم في الأخير أمام العدالة يدفعون ثمن ما اقترفت أيديهم من آثام، وقد”وجه قاضي التحقيق اتهاماته بنرفزة، وكان التهامي يجلس قبالته برفقة محاميه الخاص، بينما أحيل سحنون وجماعته مباشرة على السجن في انتظار المحاكمة، فيما ظل التهامي رهن التحقيق ص270-271 إن واقعية النص الروائي في رواية "لاروكاد" تنقلب فجأة إلى رمزية خافتة·· تلك الجملة السردية ترتد في خاتمة الملفوظ السردي وتقطع حبل الانتظار” الضابط في مكتبه تفقد غلاف الرواية التي أصدرها حسين المسرح وانصرف·· كانت سيارته تجري··· تخترق شوارع المدينة الجديدة·· سكناتها تفتقر إلى المعالم الجمالية” ص 276-277 فتكتسب الرواية المشهدية علامات الانفتاح على الثقافة السينمائية حتى وإن حافظت على تناظم المحكي وكرونولوجية الوقائع واستجابت لضرورات "كتابة المطابقة لضرب من الالتزام"، حسب تعبير مصطفى الكيلاني· وهي في النهاية توسلت بأساليب مختلفة كاعتماد التوصيف المشهدي القابل لأي تحويل سينمائي أو تلفزيوني وإرباك منطق التوالد الذي يحيل الأحداث عن أسباب معلومة يتقبلها القارئ، المشاهد، دون كبير عناء في التأويل بنقل الموصوف المشهدي من الواقعية إلى الرمزية·· إن الإبداعية الروائية في هذا النص الروائي تكمن أساسا في الرؤية البانورامية التي تؤرخ بالنص الروائي، ومن خلاله للمجتمع الجزائري في تحولاته الجذرية والنوعية  على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، وتمنح القارئ المشاهد أو الإطار الذي يساعد على إدراك عديد القضايا والرهانات والأسئلة التي تتناولها نصوص الروائيين الآخرين من ذوي الحساسية المغايرة· وذلك عند مقابلة مختلف الملفوظات الروائية·

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire