lundi 7 décembre 2009

كتبوا عن أعمالي

قراءة في رواية لاروكاد ل/عيسى شريط
بقلم/ منير مزليني



الرواية التي بين أيدينا اليوم الموسومة بـ: "لاروكاد" لصاحبها الروائي والكاتب "عيسى شريط"(*) الفائزة بجائزة مالك حداد مناصفة، تعد من بين الروايات التي لامست أكثر الواقع الجزائري في العمق، بعيدا عن الأطروحات الإبستمولوجية المسبقة، والخلفيات الأيديولوجية الموجهة.. وبمفهوم آخر هي رواية العامة، كتبت بعفوية الرجل الجزائري، تخلى فيها الروائي عن مكتبه وأطلق عنان السارد يجوب شوارع المدينة وأزقتها، فيراها وتراه، ويقولها وتقوله، ولقد حاول الروائي "عيسى شريط" من خلال "لاروكاد" أن يسلط الضوء على أحد أخطر الآفات الاجتماعية والمتمثلة في تراجع القيم الجمالية والمبادئ الأخلاقية أمام غطرسة الأنا وسلطة المادة..لاروكاد هو اسم الحي الذي تدور فيه أحداث هذه الرواية، وهو مستمد من الطريق العمومي الذي يمر فيه، والذي أنجز إبان الاحتلال وكان سببا في تواجد هذا الحي ونبض شريان الحياة فيه. أما شخوصها فهي كثيرة كعهد كل رواية ميلودرامية اختارت الأحياء الشعبية مسرحا لها، وسلطت اهتمامها على مجريات يومياتها المختلفة والمتشابهة في آن واحد! إلا أن هناك دوما تفاوت في نسبة الحضور وصنع الأحداث وتصعيدها، والعبرة تأخذ بالخاتمة التي تنتهي إليها الرواية.. وهي ليست من النوع الميلودرامي الدقيق، وإنما تعدد الأحداث بها وتنوعها جعلها تقترب من هذا المعنى. وبخلاف الرواية الميلودرامية التي تتوزع شخوصها والبطولة فيها في شكل مجموعات متصارعة أو مترابطة، تجتمع في شكل عائلات أو هيئات أو منظمات، فإن الرواية الدرامية ترتكز على الفرد الواحد والبطولة المفردة.. ولكون "لاروكاد" تجمع بشكل من الأشكال بين هذين النوعين فهي من طراز الرواية الواقعية الاجتماعية المصورة لكل تلك الحيثيات والأحداث، من مكان وزمان وصراعات وغيرها.. ومن خلال قراءتي للرواية لاحظت بأن التجمع الصحيح الفاعل والمتفاعل في هذه الرواية يتمثل في أسرة "التهامي" حيث تعد هذه الأسرة النواة التي تدور من حولها الأحداث وتتشابك من خلالها الخيوط..
روائية المخرج
حينما قرأت رواية "القاهرة الجديدة" لنجيب محفوظ وقبل أن أصل إلى نهايتها ببعض الصفحات تذكرت بأنني شاهدتها فيلما، وفورها تساءلت لماذا تأخر هذا التذكر؟ فقد أعجبتني الرواية أكثر من الفيلم، ويقدر هذا الإعجاب بعدد الصفحات التي قرأتها ولم أتذكر فيها الفيلم، ورحت حينها ألقي باللوم على المخرج لكونه عجز عن الوصول إلى المستوى الرفيع الذي بلغته الرواية.. وبعد مضي أعوام وتعمق التجربة أكثر سحبت لومي ذاك وأدركت أن لكل مجال فضاءاته التي يسبح فيها وتقنياته الخاصة به.. ولكن وأنا أقرأ "لاروكاد" أحسست بأن الروائي والمخرج قد امتزجا في شخص واحد، بل أستطيع القول أن المخرج كان حاضرا أكثر من الروائي في هذا العمل، بسبب ما لمسته من حس بصري واضح لدى المؤلف وهو يصور تلك الأحداث والمشاهد، والتي راح السارد يتبعها بعين سينمائية متقنة ومتفننة، لاسيما في المشاهد المنولوجية التي تصور الحالات النفسية التي غلب عليها الطابع السينمائي أكثر من الطابع السردي الروائي من حيث التقنيات وكيفية التعبير والتبليغ.. وهذا مقطع من الرواية أعده أكثر المشاهد تعبيرا عن السينمائية المتقنة أكثر مما هو مقطع روائي مسرد "خالد يركض بلا غاية، يبدو طيفه أحيانا، من خلال الضوء الخافت لمصابيح الإنارة العمومية.. شريط صور متناقضة، يتوانى في تواصل سريع أمام عينيه، يزيد من حدة شعوره بالفزع والغربة، (التهامي يصفع "سعاد".. "جميلة" تسبه.. أمه تحضنه مرددة "أميري، أميري".. "سحنون" يقهقه بشكل هستيري مخيف.. "موسى السكارجي".. وجه "الهواريه".. "سعاد" تصرخ في وجه أبيها.. وصور أخرى لا تكاد تنتهي) (ص169)..إن عملية التذكر واسترجاع الصور لا يتم في الواقع بهذه الكيفية المكثفة والكمية المشتتة والمترابطة في آن واحد.. فأنت لا تستطيع أن تتذكر أو تستعيد أكثر من صورة واحدة في اللحظة الواحدة، وهذا الاسترجاع المكثف والمتعدد ليس إلا حيلة من حيل السينما وتقنية من تقنياتها المستحدثة..وهنا يبدو جليا مدى تأثر الروائي "عيسى شريط" بالتقنيات السينمائية، لاسيما في مجال التصوير، إلى درجة أنه في بعض المقاطع والمشاهد يتخلى عن الروائي لفائدة المخرج، فيهمل اللغة الواصفة إلى اللغة المصورة. لكن ليس بطريقة (مسك مرآة أمام الطبيعة) التي تحدث عنها (ستاندال) والتي يمثلها كل من زولا، وبول بوجيه وغيرهما، وإنما هي أقرب إلى المذهب الانطباعي الذي يمزج بين الحواس بطريقة تآلفية أو تركيبية لتكون (نظرة محدقة ومخترقة وكاشفة للبنى الداخلية) مثلما رأينا في المقطع السردي المستشهد به سالفا..
سينمائية الروائي
اعتمدت السينما في بداية عهدها على النص الأدبي بشكل تام إلى درجة أن المخرج كان متتبعا لخطوات الكاتب خطوة، خطوة، ولكنها بعد ذلك، وخصوصا بعد ظهور الثورة التكنولوجية العالية التي حدثت في مجال السينما لاسيما فيما يتعلق بالصورة والصوت، تجاوزت السينما النص والتفتت إلى الصورة بعد أن اكتشفت مدى أهميتها وفعاليتها في عملية التلقي.. وبذلك تراجع النص أمام الصورة وتقنياتها المتطورة، ولم تعد له تلك الأهمية السابقة. ولعلّ الأفلام الحديثة ولاسيما أفلام (الأكشن) أو المغامرات والتي تكاد تخلو من النص، أكبر شاهد على تراجع النص أمام الصورة السينمائية المتقنة (الصورة الرقمية). بل صار الأدب هو بدوره متأثرا بالتقنيات السينمائية المستحدثة.. ويبدو أن الروائي "عيسى شريط" أحد هؤلاء الذين تأثروا بالصورة السينمائية، فكتب روايته وكأنه يصور فيلما، فكانت الصورة حاضرة أكثر من اللغة والسرد، حتى في أنماطها المعقدة.. بل إننا نشعر أن لغة الروائي تعجز في بعض المقاطع عن التعبير، فتترك للصورة هذا المجال، تعبر عن نفسها بنفسها، مثلما رأينا في حركات "شويحة المعلم" وهو جالس أمام المقهى قبالة شباك عشيقته "جميلة" وهما يتبادلان الغزل، فاللغة في هذا المشهد لم تصل إلى المستوى المطلوب منها لكن الصورة تدخلت هنا لتكمل النقص وتقدم للمتلقي الغرض الذي يبتغيه!..ولم يكتف الروائي بذلك بل تعداه إلى المشاهد السينمائية المحضة والتقنيات التصويرية المشفرة من خلال تسليطه الضوء على الأجزاء المتحركة والأشياء المادية التي لم تؤدي أي دور سردي بل كانت لمجرد التوظيف التصويري السينمائي المحض. مثل مشهد التركيز على حركة اليد وهي تحمل المحفظة.. فهو مشهد تصويري إيحائي لا علاقة له بالسرد الروائي.. كما أن المؤلف اعتمد في الرواية على الحوار المتبادل (الديالوج) والحوار الذاتي الداخلي (المونولوج) أكثر مما اعتمد على السرد والحكي، مما جعل العمل أقرب إلى السيناريو أو أنه لا يصعب تحويله إلى ذلك مع بعض التعديلات الخفيفة..
لاروكــــاد
"لاروكاد" نهر يجري بعفوية الطبيعة ليصب في محيط الواقعية حاملا معه أصداء المدينة وأخبار الأزقة، وعلى جنباته بقايا حب وأشلاء عفة ضائعة.. نهر معبأ بالهموم والمآسي يجري في دروب وعرة ومنحدرات عميقة مؤديا أغنية الحياة.
هي رواية قاربت أجواء "نجيب محفوظ" في ثيماتها وبنائها، إلا أنها اختلفت في تقنياتها وأسلوبها.. وبعيدا عن تأثر المؤلف بالتقنيات السينمائية، فالرواية تندرج في الإطار الكلاسيكي بعيدة كل البعد عن التجريبية الحديثة، والعوالم المعرفية المستحدثة. مثلما هو الشأن لدى الروائي "أمين معلوف" في الرواية التاريخية. أو لدى "جبرا إبراهيم جبرا" في الرواية المثقفة.. أما شخوص الرواية، فهم عاديون لا يختلفون عن باقي شخوص الرواية لدى الروائي الطاهر وطار أو رشيد بوجدرة أو حتى واسني الأعرج فيما سبق.. شخوص أغلبهم أميون مآربهم بقدر سعة استيعابهم وكيفية طرحها ومعالجتها لا تبتعد عن عاديتهم وعفويتهم البسيطة..وعل هذا ما أراده الروائي "عيسى شريط" وما كان يصبوا إليه من خلال هذا العمل الروائي. وكما ذكرت في البداية، هي رواية العامة، جاءت بعفويتهم لتقولهم ويقولونها....
(*) عيسى شريط : روائي وقاص وناقد سينمائي جزائري .


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire