jeudi 24 décembre 2009

"أحبك، أباركك..لا أحبك، ألعنك"







"أحبك، أباركك..لا أحبك، ألعنك"


عيسى شريط


أخذت هذه القاعدة من كتاب "صنعة الرواية" لمؤلفه الناقد الإنجليزي "بيرسي لوبوك" بغرض التمهيد لهذه المقالة المتواضعة..لا أرغب في الحديث عما أراد الكاتب الإشارة إليه من رؤى نقدية متشعبة واكتفي بتأويل هذه القاعدة تأويلا شخصيا بسيطا استهدف من خلاله تعرية الواقع النقدي الجزائري (وربما العربي أيضا)..



هذه المعادلة قد تكون متداولة في المجتمع وقد تندرج ضمن المنطق السلوكي الاجتماعي العادي، لكنها معادلة تتجرد من منطقها وموضوعيتها إذا ما اعتنقها الناقد في مختلف الفنون والآداب، فتأخذ لها في هذه الحال تأويلين اثنين..
أما التأويل الأول، فأن الناقد يمارس وظيفته النقدية اعتبارا للعلاقة والمحاباة، فيسهر بأمانة عمياء على متابعة وقراءة أعمال أصدقائه ومعارفه نقدا إيجابيا يرتقي ربما بالقاص أو الروائي أو الشاعر محل نقده، الى مصاف النجوم والرواد في فضاء الحياة الأدبية، وإذا ما اختار مجبرا قراءة عمل أدبي لكاتب لا يعرفه ولا يحبه كإنسان، فينكب على عمله قدحا وهجاء..
أما التأويل الثاني لهذه القاعدة، فهو يندرج ضمن خانة التفضيل أو النفور بمعنى أن الناقد يقبل على ممارسة فعله النقدي بالنسبة الى العمل الأدبي الذي ينال إعجابه وبالتالي تفضيله، غير أن فعل التفضيل أو النفور أي قبول النص أو رفضه، لا يأتي اعتباطا من قبل الناقد، إنما يأتي فرضا، مؤسس على ما يمتلكه الناقد من تراكمات وتجارب وممارسة فكرية ومعرفية تمكنه من ذلك..مثل هذه الأداة تكمن في تجارب الناقد المعرفية فضلا على امتلاكه للاستعداد الفطري أي أن يكون موهوبا..الموهبة وحدها تمكنه من قدرة الإمساك بموهبة الكاتب نفسه وبالتالي الوقوف على أحاسيسه أثناء قيامه بفعل الكتابة..
هذه القدرات المكتسبة والفطرية لدى الناقد إذا ما عمل على صقلها بشكل متواصل عبر الممارسة النقدية التطبيقية، تمكنه من الإحساس والوقوف على طبيعة الأشياء عبر نظرته الثاقبة لها مما يوفر له فرصة الغوص في أعماق النص الأدبي وتحويل الانطباعات السريعة المستوحاة من النص الى قراءة نقدية ملموسة عبر كل أبعادها، وتتحقق بالتالي، عمليتا التفضيل أو النفور من خلال التمييز بين الجيد والرديء بشكل موضوعي يبتعد عن الموقف الشخصي المؤسس على العلاقة والموقف اتجاه المؤلف..هذا ما يحتاج إليه النقد الأدبي على رأي "بيرسي لوبوك" الذي يؤكد أن ما قد يعتبره الناقد مثلا، نصا روائيا رديئا من حيث البناء، يظل رأيا نسبيا إذا ما تأملنا طبيعة الروايات، فعلى الرغم من رداءة بنائها فهي روايات مفعمة بالحياة، قد يغيب هذا الجانب الحيوي عن الناقد، أو لعله لا يهمه، فيهمله...وخلاصة هذه المقدمة أن العملية النقدية تعتبر في جوهرها كتابة جديدة للنص الأدبي وعليه يعتبر الناقد روائي كذلك..
ربما يشكل هذه الاستنتاج ردا على استفهام البعض ممن يعتقدون بأن الناقد متطفل على النصوص الإبداعية يتوارى خلفها ويستغلها لتغطية فقره وضعفه الإبداعي..استفهام لا سند له اعتبارا الى ما سبق ذكره والذي يؤكد يقينا أن الناقد لا بد أن يتوفر على الموهبة المبدعة حتى وإن كانت معطلة لديه لم يستثمرها في ممارسة الفعل الإبداعي...
واقع النقد الأدبي في الجزائر
أما عن واقع النقد الأدبي في الجزائر، فأعتقد أنه قد تأسس على قاعدة المحاباة بشكل مغال وتبنى معادلة "أحبك، أباركك..لا أحبك، ألعنك"، فانكب على ممارسة وظيفته النقدية على أساسها غير مبال بجودة النص أو رداءته، ولعله أهمل بذلك أجود النصوص التي وجدها تستحق العرض والقراءة النقدية خدمة وترقية للفضاء الأدبي الجزائري..
والملاحظ في الراهن، الغياب شبه الكلي للنقد الأدبي الأكاديمي بالغرم من النداءات المتواصلة والملحة التي تعري حقيقة هذا الراهن النقدي القحط، هذا إذا ما استثنينا بعض الانطباعات النقدية الصحفية التي لا تخلو كذلك من عيب المحاباة، بالرغم من أنها تشكل فعلا إيجابيا من حيث محاولتها لسد الخواء النقدي القاتل من جهة، ومن حيث مساهمتها في إثراء وترقية الفعل الإبداعي الأدبي من جهة أخرى..
لا نكاد نسمع صوتا للنقاد إلا عبر الحوارات التي تجرى معهم أحيانا، فيغتنموها فرصة لمهاجمة ما ينشر من انطباعات نقدية صحفية، وحجتهم في ذلك أنها مجرد مقالات تافهة تفتقر الى الفعل النقدي الحقيقي شكلا واصطلاحا، وكان الأجدر بهم في رأيي، بدلا من رمي انتقادهم جزافا، الانتقال الى مرحلة الممارسة المجسدة للفعل النقدي عبر قراءاتهم لما نشر وما ينشر بكثافة في هذه الأيام من نصوص نثرية وشعرية..غيابهم هذا يبرر طرح جملة من التساؤلات ويبيح تمرير عشرات التأويلات...
ربما الناقد الجزائري عاجز عن ممارسة وظيفته النقدية نتيجة لافتقاره الى الأدوات التي تمكنه من ذلك، كافتقاره الى التجربة الفكرية والمعرفية، فضلا على افتقاره للموهبة التي تتيح له إمكانية التمييز بين النص الجيد والرديء، ومنه الوقوف على خبايا النص من كل النواحي...
أو ربما يرى نفسه أسمى من كل ما نشر وما ينشر من نصوص لم تتمكن من إثارة فضوله النقدي اعتبارا لضعفها ورداءتها متناسيا بذلك طبيعة النص الروائي، فمهما بلغت درجة رداءته من حيث البناء، يظل نصا مفعما بالحياة على الأقل يمكن تناوله من هذا الجانب...أو لعله محاصر مثل باقي المثقفين بين مخالب الواقع الثقافي الجزائري المزري الذي شغله عن همه النقدي والإبداعي ليسعى فقط خلف لقمة عيشه الصعبة والمرة...أو ربما هي سياسة الكتاب والنشر والتوزيع المعمول بها في الجزائر والكابتة لكل مبادرة مبدعة في شتى مجالات الفنون والآداب والنقد..وعلى الرغم من كل ذلك ولكي أخرج من خانة الإجحاف في حق النقاد الجزائريين، لابد من التنويه بما ينشر من حين لأخر من دراسات نقدية تنشط التفاؤل من خلال رسمها لملامح مستقبل نقدي نتمنى أن يكون واعدا..أذكر على سبيل المثال لا الحصر ما نشرته بعض الهيئات والجمعيات من دراسات تكشف عن قدرات نقدية لا يمكن أن تصدر إلا من نقاد يمتلكون المهارة الفكرية والمعرفية والموهبة المبدعة التي تضفي عليهم صفة النقاد استحقاقا، "مباحث في الأدب الجزائري المعاصر" للناقد شريبط أحمد شريبط، "من النسق الى الذات" د.عمر مهبيل، وغيرها من الأعمال النقدية التي تحاول التخفيف من حدة قحط الواقع النقدي الجزائري، ورغم هذه المحاولات، يخضع كل النقاد الجزائريين لظاهرة الإهمال المتعمد أو غير المتعمد لما ينشر من أعمال أدبية راهنة، واستمرار صمتهم وبطالتهم يثير الريبة والاستفهام والتأويل، فإلي متى يظل هذه الواقع النقدي الساكن على هذه الحال التي لا تثير سوى الإحساس باليأس وخيبة الظن لدى المبدعين الجزائريين؟...



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire