مقدمة كتاب ” عرس الشيطان ” للقاص الجزائري سعدي صباح
بقلم الروائي والناقد عيسى شريط
” بفضل الانهماك على صفحات الكتب المتنوّعة وحضوري إلى المحافل الأدبـية تناسل الحرف في مملكتي وتحقق الحلم الذي يحتضن لذّة الحياة في رحمه … ” … هكذا قال ” سعدي صباح ” حين سئل عن علاقته المجنونة بالقصّة القصيرة ، والقارئ المتمعّن لقصصه يقف على صدق هذا القول ، مثلما وقعت عليه تماما ،خصوصا سعة اطلاعه وثقافته التراثية بامتياز ، فلا تكاد تخلو قصّة من قصصه من الرمزية والإشارة الأسطورية المستمدّة من عمق الثقافة العربية والإسلامية عبر تغذية نصوصه بالمادة التاريخية التي تعكس انتماءه النقي وتعري سعة رصيده المعرفي والمعلوماتي ،يتجلّى ذلك أيضـا عبر لغته الغنيّة جدا بلفظة العارف باللغة العربية مما مكّنه من مهارة التشكيل اللغوي ، الذي طبع أسلوبه بالخصوصية والتميّز ، أما البناء القصصي عند ” سعدي صبّاح ” فتجاوز ما عرف من أساليب بنائيّة عبر محاولته تكسير قدسية الموروث ، فبدأ بناؤه القصصي محيّرا يستعصي تصنيفه ضمن المذاهب والمدارس القصصيّة الموروثة ،ذلك ما جعلني أعتبر ” سعدي صبّاح ” كاتبا أصيلا يمتلك قدرة إعادة بعث المتداول بشكل يبدو مجهولا وغير متداول ،وأصالته هذه امتدّت إلى مادته القصصيّة جعلت منها مادّة متجدّدة تبدو مجهولة لدى القارئ تماما، مع أنّها وفيّة وفاء مطلق لواقع وبيئة ومحيط القاصّ .. عوالم وأحداث وشخوص تنوّعت واختلفت، لكن بعضها يصرّ على التجلي في الكثير من قصصه ، تبدو وكأنّها تقحم نفسها عنوة متجاوزة إرادته وسلطته، وتعرّي بشكل ثاقب مدى تأثّر القاصّ بمحيطه العملي التعليم بكل عفويته وعنفوانه وعفونته يبدو من المواضيع الملحّة عليه ، لكنّه تمكّن من إعادة تشكيل وبعث شخوص وهموم ووقائع وآمال هذا الفضاء الحيوي بطريقة تشدّ القارئ وتقنعه بأنّه يحيا تجربة جديدة لم يسبق لـه أن خاضها مثل هذه القدرة تؤكّد أصالة القاصّ ، وتقحمه ضمن زمرة المحدّثين الحقيقيين الذين تسعى أعمالهم الأدبية خلف تحقيق جملة من الأغراض الموجّهة للقارئ ،كالمتعة والدهشة ووجهة النظر وتمرير التجربة الحياتية وغيرها بعيداً عن تلك الأغراض المتهوّرة التي لا تحقّق سوى خيبة أمل القارئ ومنها تنفيره .. وقصص سعدي صبّاح تحقّق كلّ الأغراض الجميلة مما يجعلها جديرة بالقراءة والتأمّل …
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire